أستراليا تدرس طباعة المزيد من النقود لتحفيز الاقتصاد المتباطئ

أستراليا تفكر في إدخال سياسة التسهيل الكمي على الاقتصاد لكن هناك مخاوف من أن تؤدي تلك السياسة إلى زيادة انعدام المساواة

Treasurer Josh Frydenberg.

Treasurer Josh Frydenberg. Source: AAP

أبقى بنك الاحتياط الفيدرالي في أستراليا على معدل الفائدة الرسمي عند أقل مستوى له في تاريخه بنسبة 0.75 في المائة خلال اجتماع اليوم. هذا العام اقتطع البنك نسبة الفوائد ثلاث مرات بمعدل 0.25 في المائة للمرة الواحدة. 

هذه الاقتطاعات التي نقلت معدل الفوائد من 1.5 في المائة إلى نسبته الحالية، أدت إلى جعل معدلات الفوائد على قروض الرهن العقاري في أقل مستوى لها. هذا أمر مفيد لو كنت بصدد اقتراض النقود أما إن كانت بصدد إيداع النقود أو الادخار فإن الفوائد التي ستحصل عليها من البنك تكاد تكون منعدمة. 

معدلات الفائدة لا تهبط إذا كان الاقتصاد في وضع جيد، لكنها تقل إن كان النمو متباطئ أو مُهدد بالتباطئ. وعلى الرغم من أن أستراليا تدخل عامها التاسع والعشرين على التوالي من النمو الاقتصادي إلا أن آخر تقارير الموازنة أظهرت تراجع النمو إلى أقل مستوى لها منذ عشر سنوات تقريبا، أي منذ الأزمة المالية العالمية التي هزت أركان الاقتصاد العالمي عام 2008/2009.
The Reserve Bank of Australia
The Reserve Bank of Australia. Source: AAP
اقتطاعات الفائدة كانت إحدى محاولات بنك الاحتياط لتحفيز إنفاق المستهلكين واستثمار أصحاب الأعمال، لكن هذا لم يحدث. وبدلا من أن يستغل المستهلكون تلك الاقتطاعات للإنفاق في السوق، بدأ المقترضون في تسديد ديون العقارات بمعدلات أسرع. 

وبالطبع، مع تراجع المستهلكين، يجد أصحاب الأعمال صعوبة في التوسع وفتح المزيد من الوظائف وهو ما انعكس على آخر تقارير سوق العمل والتي أظهرت أول تراجع في معدلات توفير الوظائف منذ عام ونصف تقريبا. نتيجة لذلك لا تنمو المرتبات بشكل ملائم والتضخم ما زال ضعيفا.
لكن الاقتطاعات في معدلات الفائدة جذبت المشترين إلى سوق العقارات، حيث شهدت أسواق ملبورن وسيدني انتعاشا في الأسعار مؤخرا، كما امتد تأثيرها إلى سوق الأسهم أيضا حيث تحقق البورصة مكاسب قياسية لأن شراء الأسهم أصبح وسيلة أفضل لحفظ القيمة عن ادخار الأموال.

ما الذي يمكن أن يفعله البنك الآن؟

اقتطاع الفائدة كخيار لدى البنك لتحفيز الاقتصاد بدأ يفقد قوته، حيث يقترب معدل الفائدة حاليا من الصفر، لكن البنك ألمح إلى أنه قد يستخدم سياسات مالية غير تقليدية. هنا أمام البنك عدد من الخيارات، منها جعل معدلات الفائدة بالسالب وهو أمر استبعده البنك أو شراء كميات كبيرة من العمل لتقليل قيمتها وجعل الصادرات الأسترالية أرخص. 

يمكن أيضا أن يعمل البنك على توجيه الأسواق من خلال خفض معدلات الفائدة وهو أمر فعله البنك بالفعل، كما يمكن أن يضخ قروض مالية رخيصة للبنوك لكن البنوك الأسترالية لا تواجه مشاكل مع التمويل. 

هذا الواقع يجعل البنك أمام خيار أخير وهو التسهيل الكمي.

ما هو التسهيل الكمي؟

التسهيل الكمي هو قيام البنك المركزي، مثل بنك الاحتياط في أستراليا، بطباعة النقود لشراء القروض الحكومية السيادية أو قروض خاصة. ونتيجة لذلك، تتدفق الأموال في الاقتصاد وبالتالي يكون هناك فائض للاستثمار ومن ثم خلق المزيد من الوظائف. 

كما يشجع هذا الإجراء البنوك على الاستمرار في توفير قروض مالية رخيصة ودون فوائد.
لكن الاحتياط الفيدرالي الأسترالي متردد في استخدام هذا الإجراء التحفيزي لأنه مع توفير المزيد من النقود قد ترتفع أسعار شراء بعض الأصول مثل المنازل بشكل يتجاوز بكثير قيمتها الحقيقية. 

وخلال حدث حضره محافظ البنك المركزي ديفيد فيليب الأسبوع الماضي، قال إن البنك لن يفكر في استخدام التسهيل الكمي لشراء الديون السيادية الحكومية إلا عندما تصل معدلات الفائدة إلى 0.25 في المائة.

هل ينجح التسهيل الكمي؟

كبير الاقتصاديين في شركة الخدمات المالية الأسترالية AMP  شاين أوليفر قال إن التسهيل الكمي لن يضر الاقتصاد الأسترالي: "سينتج عنه انخفاض كلفة الاقتراض وارتفاع أسعار الأصول وبالتالي ارتفاع معدلات الثروة، مع تخفيض قيمة الدولار الأسترالي، وبالتالي فإنه قد يساعد في تحفيز الاقتصاد فعلا." 

"الجانب السلبي الرئيسي لتلك السياسة أنها قد تعظم من انعدام المساواة من خلال رفع أسعار أسواق العقارات والبورصة. لذا فإن الحوافز المالية (الإنفاق الحكومي على البنية التحتية) ستوفر بديلا أفضل عن التسهيل الكمي، لأن الحوافز المالية يمكن أن تُقدم بشكل أكثر عدالة." 

وقال كبير الاقتصاديين في بنك NAB آلان أوستر إن التسهيل الكمي ليس سيئا لكن الحكومة يجب أن تقوم بدورها. 

"لدينا فائض في الميزانية لنستخدمه في حال تعرض بعض أجزاء من الاقتصاد للمعاناة. هذا ما يحدث الآن مع القطاع الخاص. أفضل خيار لدينا هو تطبيق جولة ثانية من الاقتطاعات الضريبية، والإنفاق قصير المدى على البنية التحتية، وزيادة محفزات الاستثمار وزيادة إعانة البطالة."

هل نجح التسهيل الكمي خارج أستراليا قبل ذلك؟

لو أقرت أستراليا التسهيل الكمي فإنها ستكون حالة غير مسبوقة، حيث ستطبق هذا الإجراء في وقت ما زال النمو الاقتصادي مستمر لكنه متباطئ. 

لم يتم استخدام التسهيل الكمي في أوروبا والولايات المتحدة في السابق إلا عندما دخل الاقتصاد حالة الركود بعد الأزمة المالية العالمية ووصول معدلات الفائدة إلى صفر. بالطبع فرضت تلك الحكومات أيضا إجراءات تقشفية شملت اقتطاع في الخدمات الاجتماعية والإعانات ما زاد من معدلات عدم المساواة.
كبير الاقتصاديين في AMP قال إن وقتها استغرق التسهيل الكمي بعض الوقت لكنه نجح إلى حد ما. وقال شاين أوليفر "منذ ذروته في 2013، انخفضت معدلات البطالة في منطقة اليورو من 12 في المائة إلى 7.5 في المائة، وانخفضت معدلات البطالة في الولايات المتحدة من 9 في المائة عام 2011 إلى 4 في المائة عام 2017 ما جعل الاحتياط الفيدرالي يبدأ عملية إنهاء التسهيل الكمي." 

"لم يعد التضخم إلى نسبة 2 في المائة مرة أخرى ولكن معدلات زيادة الرواتب ارتفعت، وفي بداية العام الماضي بدا أن الاقتصاد العالمي سيعود إلى طبيعته قبل أن يترنح مرة أخرى بفعل الحرب التجارية التي بدأها الرئيس ترامب." 

إذا بينما ساعد التسهيل الكمي تلك الاقتصادات إلا أن الأمر استغرق بعض الوقت للتعافي وحصد الثمار. 


شارك
نشر في: 3/12/2019 4:21pm
آخر تحديث: 12/08/2022 3:23pm
By Ricardo Goncalves, Abdallah Kamal