فيروز "سفيرة" لبنان إلى العالم ورمز وحدته تجمع اللبنانيين في الأزمات والحروب

الرئيس الفرنسي ماكرون بعد لقاء فيروز: "جميلة وقوية للغاية".

Fayrouz

الرئيس الفرنيس إيمانويل ماكرون في منزل فيروز بالرابية. Source: Fayrouz Facebook Page

فيروز التي بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته الى بيروت بلقاء معها أمس، هي سفيرة الفن اللبناني الى العالم التي يلتقي اللبنانيون من كل الطوائف والانتماءات السياسية حول صوتها وأغانيها.

ورغم ابتعادها كلياً عن الأضواء منذ سنوات وتوقّفها عن إحياء حفلات، لا يزال صوت فيروز الاستثنائي، باعتراف خبراء عالميين، يرافق ملايين الأشخاص عبر العالم، هي التي غنّت للحب والوطن والحرية والقيم. 

وعقب اللقاء ووصف ماكرون، فيروز بأنها "جميلة وقوية للغاية".
وقال ماكرون عقب اللقاء "قطعت التزاما لها (فيروز)، مثلما أقطع التزاما لكم هنا الليلة بأن أبذل كل شيء حتى تطبق إصلاحات ويحصل لبنان على ما هو أفضل. أعدكم بأنني لن أترككم"، بحسب ما أوردت رويترز.

ووصف ماكرون فيروز بأنها "جميلة وقوية للغاية"، وقال "تحدثت معها عن كل ما تمثله بالنسبة لي عن لبنان نحبه وينتظره الكثير منا.. عن الحنين الذي ينتابنا".






ويزور الرئيس الفرنسي بيروت للمرة الثانية خلال أقل من شهر، كي يحث السياسيين على تشكيل حكومة مؤلفة من خبراء قادرة على القضاء على الفساد والهدر والإهمال وإعادة البناء، بعد الانفجار المدمر الذي شهده مرفأ بيروت في أغسطس الماضي، وأودى بحياة 190 شخصا.

FayrouzOfficial
Source: FayrouzOfficial
تجاوزت شهرة فيروز، المرأة النحيلة البنية والباردة الملامح، واسمها الحقيقي نهاد حداد، حدود البلد الصغير، وجذبت معجبين من كل أنحاء العالم. وتعدّ من آخر جيل الكبار في العصر الذهبي للموسيقى العربية في القرن العشرين. 

في لبنان، رفضت أن تُجرّ إلى خصومات سياسية أو دينية لا سيما خلال سنوات الحرب الأهلية (1975-1990)، وتصدّرت أغنياتها الإذاعات المتناحرة على جانبي خطوط القتال.

بالنسبة إلى كثيرين، يعدّ الاستماع إلى أغاني فيروز بمثابة طقس يومي شبيه بالصلاة. وبالنسبة إليها، فالغناء بحدّ ذاته فعل صلاة.

في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" في أيار/مايو 1999، قالت بعد حفلة أحيتها في مدينة لاس فيغاس الأميركية رداً على سؤال حول جديتها المفرطة على المسرح، "إذا نظرتم إلى وجهي عندما أغني، سترون وكأنني غير موجودة".

وتابعت "أرى الفن على أنه صلاة. لست موجودة في كنيسة، لكنني أشعر كما لو أنني فيها، وفي هذه الأجواء لا يمكنني الضحك". 

وكانت باستمرار شبه جامدة على المسرح، فيما حركة واحدة أو ابتسامة خجولة منها كفيلة بإشعال حماسة جمهورها.

ولدت في قرية الدبية في منطقة الشوف الجبلية في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1934، لوالد يعمل في مطبعة ووالدة اهتمت برعاية الأسرة المكونة من أربعة أولاد. وانتقلت العائلة في وقت لاحق للإقامة في حي زقاق البلاط في بيروت. 

في نهاية الأربعينات، اكتشف المؤلف الموسيقي محمد فيلفل الذي كان يبحث عن أصوات جميلة للانضام إلى كورس الإذاعة اللبنانية، موهبة فيروز. وضمّها إلى الكونسرفاتوار لتتعلّم أصول الموسيقى والغناء . وأُعجب المدير الموسيقي للإذاعة آنذاك حليم الرومي بجمال صوتها واقترح عليها اسمها الفني فيروز.

خفيفة الظل

في كواليس الإذاعة، تعرّفت فيروز على عاصي ومنصور الرحباني، المؤلفين الموسيقيين اللذين عرفا في وقت لاحق، خصوصا معها، شهرة واسعة، وارتبط فنهما بشكل جذري بلبنان، فبات جزءا لا يتجزأ من تراثه.

وتعاونت مع الأخوين رحباني اعتباراً من مطلع الخمسينيات. وأثمر ذلك مجموعة واسعة من الأعمال الغنائية والمسرحية والأفلام السينمائية التي جمعت بين الألحان الشرقية والفولكلور اللبناني والأنغام الغربية. ويحافظ عدد كبير منها على نضارته رغم مرور الزمن.

وغنّت فيروز لشعراء كبار، من الأخطل الصغير إلى سعيد عقل الذي لقبها بـ"سفيرة لبنان الى النجوم"، مروراً بجبران خليل جبران والياس أبو شبكة. كما لحّن لها عبد الوهاب وفيلمون وهبه وزكي ناصيف.
FayrouzOfficial
Source: FayrouzOfficial
وشكلت مع الأخوين الرحباني علامة فارقة في مهرجانات بعلبك الشهيرة ولُقبت بـ"عمود بعلبك السابع".

في منتصف الخمسينات، تزوجت من عاصي الرحباني وأنجبا أربعة أولاد، هم زياد، وليال التي توفيت عام 1987 بعد سنة من وفاة والدها، وهلي وريما.

يقول مقربون منها إنها مرّت بمآس كثيرة على الصعيد الشخصي، من وفاة ابنتها الى إعاقة نجلها هلي، لكنها حافظت على خفّة ظلها في مجالسها الخاصة والعائلية.

وتقول الصحافية ضحى شمس التي عملت معها لفترة طويلة "في الحقيقة هي بعيدة كل البعد عن الصورة الباردة التي تعكسها على المسرح. هي مضحكة جداً متى أرادت".

رغم شهرتها الواسعة، حرصت فيروز دائماً على حماية خصوصيتها العائلية. إلا أن ذلك لم يمنع الإعلام من تناول أخبار العائلة، وبينها خلافها مع زوجها عاصي في مرحلة معينة قبل مرضه، وبعد وفاته، خلافها مع عائلة منصور الرحباني حول حقوق الملكية الفنية، والخلافات حول توجهها الفني بين ولديها زياد وريما.

وكانت تعاونت مع زياد منذ الثمانينات. في العام 1991، غنّت له "كيفك انت؟" ضمن أسطوانة أثارت جدلاً بين من يحبون زياد الرحباني والتجديد في مسيرة والرافضين لذلك. وحقّّق الإصدار نجاحاً كبيراً.

" خدني على بلادي"

على مدى عقود، شكّلت أغاني فيروز صلة وصل بين اللبنانيين. خلال الحرب الأهلية، رفضت الغناء في لبنان لتجنّب أن تُحسب على منطقة دون أخرى، فيما بلدها ساحة صراع بين قوى طائفية مدعومة من قوى خارجية.

لكنها أقامت حفلات في الخارج مثيرة الحنين والتأثر في نفوس اللبنانيين الفارين إلى عواصم العالم مع أغان مثل "بحبك يا لبنان" و"ردني إلى بلادي" و"لبيروت" التي ترافق منذ الرابع من آب/أغسطس، تاريخ وقوع الانفجار المروع في العاصمة، مقاطع فيديو عن الكارثة تبثها محطات التلفزة المحلية. 

وغنّت أجمل ما قيل عن القدس، فكانت "زهرة المدائن" و"سنرجع يوماً". ونقل إليها نائبان عربيان مفتاح المدينة عام 1968. كما غنّت لدمشق ومكة وسواها، وللأوطان والثورات والشعوب.

قلّدها ملك الأردن الراحل حسين ثلاثة أوسمة. وتبث الإذاعات في سوريا والأردن وسواها من الدول العربية أغانيها بكثافة حتى اليوم.

ورغم تحفّظها الشديد، أثارت جدلا في 2008 عندما غنت في دمشق بعد ثلاث سنوات من انسحاب القوات السورية من لبنان تحت ضغط الشارع الذي وجّه أصابع الاتهام آنذاك الى سوريا في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

كان آخر ظهور لها في نيسان/أبريل مع تفشي فيروس كورونا المستجد، في مقطع مصوّر قرأت فيه مقاطع من سفر المزامير في الكتاب المقدس، استهلته بـ"يا ربّ، لماذا تقف بعيداً، لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟".


شارك
نشر في: 1/09/2020 9:55pm
آخر تحديث: 1/09/2020 10:08pm
By Jameel Karaki
المصدر: AFP