"كنا محظوظين": من عديمة جنسية إلى لاجئة فمواطنة أسترالية

Jeanine Hourani

Jeanine Hourani Source: Jeanine Hourani

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

في هذه الحلقة من بودكاست "الهوية" تشاركنا جنين حوراني، قصتها مع اللجوء الى أستراليا التي حصلت بمحض الصدفة أو الحظ، بعد أن عاشت أول سنوات عمرها عديمة الجنسية. وسنتعرف على التحديات التي واجهتها كلاجئة في أستراليا وغيرها من البلدان العربية، التي دفعتها الى إخفاء هويتها لتشعر بأنها مقبولة في المجتمع الذي تعيش فيه.


"ولدتُ بدون جنسية. لم تستطع أمي أن تمنحني الجنسية اللبنانية، ووالدي كان عديم الجنسية لأنه كان لاجئا فلسطينيا."

جنين حوراني، باحثة وناشطة في حقوق اللاجئين.

"لم أكن أعرف قيمة هذه الورقة (الجنسية)، هذه الورقة التي ستسمح لي بأن أعيش حياة محترمة، وتمكني من الدراسة والسفر الى جميع أنحاء العالم."

"عندما كبرت، عرفت قيمتها، وكيف تؤثر على حياة الناس."
palestinian
وثيقة سفر للاجئين الفسطينيين Source: Jeanine Hourani

عديمة الجنسية

ولد والد جنين في مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وكان يحمل هو وعائلته وثائق سفر للاجئين الفلسطينيين، مكنته من الانتقال للعيش في البحرين. وولدت والدتها في لبنان وفرت مع عائلتها للاستقرار في البحرين بعيدا عن أحداث الحرب الأهلية.

قبل اللجوء الى أستراليا، مثل والدها وجدها، لم تقبل أي دولة جنين كواحدة من مواطنيها.

ولكن قررت العائلة اتخاذ خطوة اللجوء الى أستراليا عندما كانت والدتها حاملا فيها. لأن الوالدين أدركا حينها أن انعدام الجنسية سيمتد الى جيل ثالث في العائلة، وكان لابد من تبديد هذا الإرث المهين لأبسط حقوق الانسان.
"بحكم سكنهم في البحرين، كانت الطريقة الوحيدة التي ستسمح لوالدي بلقاء موظفي السفارة الأسترالية هي السفر الى دبي أو السعودية لإجراء المقابلة. ولكن لم يسمح هذان البلدان لوالدي بالمرور لأنه لاجئ."

"وبالصدفة استطاع أحد معارف والدتي في اليونان، من أن يساعد أبي في الحصول على فرصة للعبور. وتمكن والدي حينها من الذهاب وشرح قصتنا. ووافقت أستراليا على طلب لجوئنا اليها."

ولطالما وصفت جنين قصتهم في الحصول على قبول طلب لجوئهم الى أستراليا بمجرد صدفة أو حظ، بالمقارنة مع أكثر من حوالي 5 ملايين فلسطيني يعتبرون بحكم القانون أشخاصا عديمي الجنسية.

ووصلت العائلة الى أستراليا في فبراير من عام 1997، عندما كانت جنين تبلغ ثلاث سنوات فقط.
Jeanine Hourani
Visa to Australia Source: Jeanine Hourani

اللجوء إالى أستراليا

كانت والدتها معلمة لمواد الاجتماعيات والجغرافيا والتاريخ. وكان والدها يعمل في الخدمات المالية والتأمين، ولم يستطيعا أن يجدا وظيفة بسهولة ولم تكن حالتهما المادية مستقرة حينها. 

"أذكر أننا كنا نذهب يوم السبت الى المظاهرات الفلسطينية في مدينة ملبورن. ويوم الأحد كنت أذهب لتعلم اللغة العربية. وعندما أعود الى المدرسة يوم الاثنين كنت أسمع زملائي يتحدثون عن النشاطات الترفيهية التي قاموا بها في العطلة، وكنت أتمنى أن أقوم بما يقومون به."

ولكن جنين تعترف أن الذهاب الى المظاهرات ومنذ سن صغير مع أهلها ساعد العائلة على الاندماج في أستراليا لبعض من الوقت، وتكوين مجتمع صغير يصبرهم على وحدتهم وبعدهم عن أفراد العائلة في الوطن العربي.
Jeanine Hourani
Jeanine Hourani with her family in Australia Source: Jeanine Hourani
"فهمت ومنذ سن صغير، اننا نحن، الأطفال الفلسطينيون، خلقنا في كنف قضية. كفلسطينية لا أستطيع أن أعيش حياة منفصلة عن السياسة."

لم تبقَ عائلة جنين في أستراليا إلا  أربع سنوات فقط. لم تتمكن العائلة من تحمل العزلة التي شعرت بها. ولا فقدان دعم العائلة وشبكة الأمان الاجتماعية، التي يؤلم انعدامها كل مهاجر بعيد عن أهله.
وليس هذا فقط. واجه والد جنين الكثير من العنصرية والتنمر في مكان العمل.

وبعد أن حصلت العائلة على الجنسية الأسترالية في عام 2000، تلقى والدها عرضا لفرصة عمل جيدة في البحرين وقرروا العودة للعيش هناك مجددا.

الهجرة إالى البحرين

"مع ان الحياة في أستراليا كانت صعبة جدا، الا أنني كنت حزينة لمغادرتها. نعم كنا سنعود الى عائلتنا في البحرين، ولكن عندما وصلنا شعرت هناك بغربة وصدمت بمحيطي الجديد."

"كل شيء اختلف عليّ، وحتى وجود أفراد العائلة الممتدة من حولي كان شيئا جديدا بالنسبة لي."

العودة الى البحرين وضعت جنين في جولة جديدة لمواجهة تحديات الهجرة والاندماج في مجتمع جديد.

"كانت لغتي العربية ضعيفة جدا، لم أعرف كيف أعبر عن رأيي. حتى في المدرسة الدولية الجديدة، كان معظم زملائي من بريطانيا وكانت لهجتي الإنجليزية الأسترالية بالنسبة لهم مستهجنة."

"كانت عائلة والدي أيضا تنتقد لهجتي المختلطة اللبنانية، السورية والفلسطينية."

كان من الصعب على جنين أن تشعر بالانتماء الى مكان أو هوية.
Jeanine Hourani
Jeanine Hourani with her family members. Source: Jeanine Hourani
"أكثر ما كان غريبا بالنسبة لي، أنني لم أكن مواطنة خليجية، ولم أكن أجنبية في نفس الوقت."

"كنت عربية، ولكنني لست خليجية، وأجنبية ولكنني لست أجنبية، بل أحمل الجنسية الأسترالية فقط. فلم أشعر بالانتماء الى هذه أو تلك."

قد يكون من الصعب على من لم يعش تجربة اللاجئين الفلسطينيين أو غيرهم من اللاجئين الذين تركتهم الحروب بلا وطن، فهم المعضلة التي يعيشها أبناؤهم وأحفادهم في الغربة. تماما مثل المعضلة التي تواجهها جنين.

"كان زملائي الأجانب يظنون أن ثقافتي خليجية، والخليجيون يعتبرونني أجنبية."

الهجرة إلى أبو ظبي

بعد مرور ثلاث سنوات في البحرين، قررت العائلة الانتقال للعيش في أبو ظبي لما تتفوق به عن البحرين في مجال التعليم والعمل والترفيه.

"أصبح الترحال أمرا عاديا. لهذا كانت علاقتي بعائلتي وستبقى الأهم، لأننا أينما ذهبنا في العالم كان أفرادها هم الباقون معي، والآخرون راحلون أو أنا راحلة عنهم."

التحقت جنين بمدرسة دولية في أبو ظبي، واختارت حينها أن تعيش حياتها بهوية أجنبية أقرب الى الأسترالية، في بلد يعتبر غير المواطنين، حتى وإن كانوا عربا، أجانب إن لم يحملوا الجنسية المحلية.
لم يقدم هذا القرار ولم يؤخر حينها شيئا في حياتها، سوى أن الجنسية الأسترالية تمنحها امتيازات عظيمة للتنقل والعيش في أي مكان في العالم. خصوصا عندما يحين الوقت، لتنهي المدرسة الثانوية وتستكمل دراستها الجامعية.

"لم أفكر في البقاء في أبو ظبي للحظة. تقدمت بطلب للالتحاق بالجامعة في بريطانيا وأستراليا. وحصلت على الموافقة من البلدين. ولكني اخترت أستراليا لأن تكاليف الدراسة الجامعية كانت أرخص لأنني أحمل الجنسية الأسترالية."

العودة إلى أستراليا

عادت جنين الى أستراليا وحدها لتدرس في الجامعة في ملبورن، عندما كانت تبلغ من العمر 18 عاما تقريبا.

"شعرت بغربة موحشة وبأنني غريبة هنا. كان كل من حولي يعيشون في أستراليا منذ وقت طويل أو من المولودين فيها أصلا."

"أنا كنت الغريبة القادمة من بلد خليجي ولم أكن خليجية، ولم يكن يعرف زملائي الكثير عن البلدان العربية."

"كان عليّ أن أشرح قصة حياتي في كل مرة التقيت شخصا جديدا، وبدأت بالملل من هذا. خصوصا أن قصتي كانت معقدة جدا."

على قدر ما قد يحب المهاجر التعريف عن ثقافته الأصلية للمجتمع الاوسع، الا انه في بعض الأوقات قد يشعر بأن الكشف عن هويته العربية قد يفتح أبوابا من الأسئلة التي لا تنتهي بسبب القوالب النمطية المأخوذة عن الثقافة العربية في أستراليا.
"إذا فتحنا الموضوع، لا أستطع التوقف عن الإجابة عن عشرات الأسئلة التي كانت تنهمر عليّ."

"كيف أنك مسلمة ولكنك تكشفين شعرك؟ أنت فلسطينية ولكن لم تولدي في فلسطين ولا تحملين جنسيتها؟ كيف أنك لبنانية ولم يمنحك لبنان جنسيته أو حق الدخول إليه؟"

"تعبت. فبدأت بإخبارهم قصة مختصرة وواضحة لأريح نفسي وأريحهم."

كانت جنين تعيش في سكن للطلاب في حرم الجامعة.

"لم يكن يعيش معي في السكن عرب أو مسلمون. كان يجب عليّ أن أعيش حياتي أمامهم كأجنبية لكي يتقبلوني."
Jeanine Hourani
Jeanine Hourani: Public Health | Research & Policy | Refugee Advocacy Source: Jeanine Hourani

"أخفيت هويتي"

"أخفيت هويتي العربية والاسلامية وكنت أصوم رمضان من دون أن يشعر أحد من حولي بذلك. ولم أخبرهم عن هويتي الفلسطينية لأن هذا كان أيضا انتماء سياسيا."

"كنت أخفي جنين الحقيقية."

لم تكن جنين تشعر بالخجل من هويتها الفلسطينية ولكن ظنت لسنين من عمرها أن الحديث عن القضية الفلسطينية لن يرجع فلسطين الى شعبها.

"طوال عمري، الوضع في فلسطين بقي كما هو. كنا نذهب الى المظاهرات ونتحدث عن القضية ولكن لم يتغير شيء.  لهذا شعرت ان ما نفعله لم يحدث فارقا."

"ولكن عندما كبرت، بعد سن 21 عاما، بدأت أرى أن هناك كثيرا من المظلومين غيرنا نحن كفلسطينيين.  وهؤلاء الأشخاص لا يفقدون الامل في احداث التغيير."

"لهذا قررت الدخول في السياسة مجددا، وبدأت أتابع الأحداث مجددا والذهاب الى المظاهرات أيضا."

التقت جنين بزميلة من السكان الأصليين خلال دراستها. وجمعتهما صداقة قوية وشعرت بأن قضية السكان الأصليين مع أرضهم شبيهة بقضية الفلسطينيين مع أرضهم.

وأصبحت زميلتها هذه من أقرب الأشخاص إليها، وتعرف الكثير عن هويتها الحقيقية. وفي يوم من الأيام أخبرتها جنين عن سبب هجرة عائلتها الى أستراليا.
Jeanine Hourani
Jeanine Hourani with a group of friends and advocates. Source: Jeanine Hourani

"أنا عربية"

"قلت لها أني مسلمة، وأشعر بقهر وحزن لما أراه في التغطية الإعلامية عن المسلمين. وقلت لها السبب الذي جاء بنا الى أستراليا وكيف أصبحنا أستراليين."

"قالت لي أنها أول مرة تسمع قصة مثل هذه وأول مرة تتحدث الى شخص لاجئ."

"وقالت لي أيضا، عندما نسمع عن اللجوء أو اللاجئين في أستراليا لا نفكر بشخص مثلك."

"عندها شعرت بأهمية إخبار قصتي لتساعد في تغيير الصورة النمطية المأخوذة عن اللاجئين في أستراليا."
بعد أن أنهت البكالوريوس، وصلت أختها الصغرى الى أستراليا لتدرس في الجامعة أيضا. وعاشت الأختان في منزل وحدهما.

"بدأت أفكر ان هذه الفترة من حياتي بمثابة بداية جديدة، وأستطيع أن أكون وأفعل ما أريد. ووجود أختي في حياتي ساعدني، فكانت تعرف جنين الحقيقية وتعرف من هم أهلي وكيف نشأنا وتربينا."

"وقلت لنفسي حينها أستطيع التوقف عن التمثيل لأنني كنت أخاف من ألا يتقبلني المجتمع هنا، ولكن لم أعد أخاف من هذا."
Jeanine Hourani
Jeanine Hourani is an advocate, campaigner and researcher. She is currently the Director of Road to Refuge. Source: Jeanine Hourani
فعلا لم تعد جنين تخاف أو تخجل من التحدث عن قصتها مع اللجوء، لتصل الى كل من يحاول التقليل من شأن اللاجئ العربي ويشوه صورته في أستراليا.

ليس هذا فقط، بدأت العمل مع اللاجئين وطالبي اللجوء وعديمي الجنسية بتنوع ثقافتهم لتساعدهم على سرد قصصهم مع اللجوء الى أستراليا، لتغيير الصورة النمطية المأخوذة عن اللاجئين في البلاد.

"أشعر بالفخر بهويتي العربية. وعندما يسألني الناس من أين أنا، أغير قصتي بحسب هوية الشخص الذي يسألني.  فاذا سألني شخص فلسطيني أقول له أنا فلسطينية، وان سألني لبناني أقول له لبنانية، وان سألني عربي أقول له نصفي فلسطيني والنصف الآخر لبناني، وان كنت خارج أستراليا وسألني أحدهم أقول له أسترالية."

"ومع هذا قبل كل شيء، أنا عربية."

جنين حوراني ناشطة وباحثة. وهي حاليًا مديرة منظمة Road to Refuge. تعمل جنين كباحثة وأستاذه في جامعة ملبورن حيث تتخصص في منع العنف ضد اللاجئات. شغلت جنين سابقًا مناصب في مركز موارد طالبي اللجوء، وفي شركة استشارات للسياسة العامة، ومع منظمة كير الدولية في مخيم الأزرق للاجئين بالأردن.

يمكنكم متابعة بودكاست الهوية عبر البحث عن  على منصات تحميل البودكاست المفضلة لديكم للاستماع الى الحلقات الجديدة أسبوعيا فور صدورها مجانا.



شارك