قصة العشق المجنون بين العرب وكرة القدم: من أين بدأت وما سر تعلقهم الشديد بهذه الساحرة المستديرة؟

وأخيراً تحقق حلم العرب باستضافة المونديال بعد أن تمكنت قطر من انتزاع حق استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022 وباتوا متلهفين لهذا العرس الكروي الذي يرون فيه حدثاً عظيماً سيذكره التاريخ. فحب الكرة الساحرة يجمع الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، ولكن القصة لا تقف عند هذا الحد، فكُرة القدم ليست مجرد رياضة بالنسبة للعرب، هي قصة عشق وشغف قد تصل لحد الهوس أحياناً.

football.jpg

Source: SBS

في ضوء مشاكل العالم العربي المتزايدة والتي تثقل كاهل العرب وتؤرق حياتهم، تأتي هذه الساحرة المستديرة كمتنفس لهم وأسلوب علاج بنكهة كروية، فهي كفيلة بطبع الابتسامة على وجوههم وإدخال السعادة إلى قلوبهم لتنسيهم بعض ما يمرون به. فما هو السر الذي جعل العالم العربي يترقب هذا العرس على أحر من الجمر؟
مصر.jpg
Credit: ATPImages/Getty Images
نبدأ من مصر "أم الدنيا" التي كانت الأولى عربياً بإنشاء نادٍ لكرة القدم، فقد انطلقت صافرة البداية عام 1882، إذ يقول الناقد الرياضي وسيم أحمد، "شاهد المصريون مباريات كرة القدم للمرة الأولى مع وصول الاحتلال الإنجليزي إلى مصر وذلك في معسكرات الجيش الإنجليزي والتي كانت تجري لتسلية كبار القادة في أوقات فراغهم، فسحرتهم على الفور ووقعوا في غرامها".

وعلى الرغم من أن المنتخب المصري ليس من أكثر الدول الإفريقية مشاركة في المونديال حيث تأهل في ثلاث دورات فقط، إلا أن مصر من أكثر الدول العربية متابعة وهوساً بكأس العالم.
الأهلي-والزمالك.jpg
فبلد المئة مليون نسمة مقسوم بين أبناء القلعة الحمراء متمثلة في النادي الأهلي صاحب أكبر رصيد من البطولات في القارة الافريقية والغريم التقليدي الفارس الأبيض نادي الزمالك الملكي، فقد كبُرت وتربت أجيال كاملة في مصر على حب وموالاة أحد هذين الفريقين، حتى بات الانتماء الكروي لهذين الفريقين موروث مقدس يسري في الدم بين العائلات المصرية، وتحمله معها حتى لو جالت أصقاع الأرض كاملة.
ولا يقف هوس المصريين بالكرة عند المستوى المحلي، بل يتعداه إلى العالم أجمع، حيث يترقب المصريون مونديال 2022 بفارغ الصبر ويرون فيه أهم وأكبر حدث كروي لا يمكن تفويت اي لحظة منه.

ونبقى في القارة الأفريقية، ولكن ننتقل إلى المغرب العربي وعلى وجه التحديد تونس والمغرب والجزائر والتي هي من أكثر المنتديات العربية مشاركة في المونديال. ولا شك أن كأس العالم سيكون له نكهة خاصة في هذه البلدان بعدما نجح فريق أسود الأطلس المغربي ونسور قرطاج التونسي بشق طريقهم للمشاركة في البطولة العالمية.
Tunisia v Mali - FIFA World Cup Qatar 2022 Qualifier
TUNIS, TUNISIA - MARCH 29: Players of Tunisia celebrate after beating the team Mali at the end of the second leg of the FIFA World Cup African Qualifiers 3rd round match between Tunisia and Mali in Tunis, Tunisia on March 29, 2022. (Photo by Tnani Badreddine/vi/DeFodi Images via Getty Images) Credit: DeFodi Images/DeFodi Images via Getty Images
كما أن ما يجمع هذه البلدان الثلاث هو أن حبها وشغفها بالكرة بدأ منذ الاستعمار الفرنسي، إذ تعرفوا على كرة القدم من خلال الجنود الفرنسيين ونجحوا لاحقاً في إنشاء أندية خاصة كانت سلاحاً فعالاً للحفاظ على الهوية والانتماء ووسيلة لرفع الروح الوطنية المناهضة للاستعمار.
من هنا نما وتطور حب هذه البلدان للكرة الساحرة وتحول إلى شغف وعشق، فأنجبت لاحقاً العديد من نجوم كرة القدم الذين لمعت أسماؤهم في سماء الكرة العربية والعالمية فيما بعد، وبالفعل استطاعوا أن يرفعوا أسماء بلادهم عالياً وحققوا إنجازات لا تُنسى. لذا تعول شعوب المغرب الغربي على قدرة بلادها على مراحل متقدمة في المونديال ويقول أحد المشجعين المغربيين في سيدني، "المنتخب الوطني المغربي بروحه القتالية في الملعب يمكن أن يذهب بعيدا خلال هذه المنافسة".
Squad of Saudi Arabia for World Cup
Squad of Saudi Arabia for World Cup. Credit: FIFA
لا يقل شغف أبناء الخليج العربي بكرة القدم عن البلدان العربية الأخرى حتى أنه طغا على رياضات أخرى من صميم البيئة الخليجية كسباق الخيل والهجن وبات يتصدر قائمة الرياضات المفضلة لديهم.

يقول الصحفي الرياضي الكويتي محمود الشمري، "كانت المدارس هي النواة التي انطلق حب كرة القدم منها في الخليج، ونما حب هذه اللعبة لدى التلاميذ من خلال مشاركة مدرسيهم، ومن هنا كانت الطفرة التي ولدت لاعبين أبدعوا في رياضة كرة القدم التي أصبحت الرياضة الشعبية الأولى في دول الخليج".

وكانت مسابقة كأس الخليج العربي هي الانطلاقة للمنتخبات الخليجية عربياً وآسيوياً ثم عالمياً، حيث تمكنت الفرق الخليجية من انتزاع كأس آسيا عدة مرات وعلى رأسها السعودية التي تمكنت من الفوز ثلاث مرات.
Qatar World Cup Experience
ملعب البيت القطري الذي سيستضيف كأس العالم لكرة القدم 2022 Credit: AP
ومن هنا كانت الانطلاقة للعالمية للمشاركة في كأس العالم في دورات عديدة. لذا يعقد أنباء الخليج آمالاً عالية على منتخبي الصقور الخضر السعودي وفريق قطر العنابي لتحقيق مراتب عالية والوصول إلى الأدوار النهائية.

نتوجه الآن شمالاً إلى لبنان الذي يولد شعبه عاشقاً لكرة القدم، هذا البلد الصغير المحاصر بالأزمات المعيشية والتي تثقله الديون والبطالة والفقر لا شيء يستطيع انتزاع فرحة أبنائه بالمونديال.

وَلَه اللبنانيين بكرة القدم يعود إلى الستينات والسبعينات، فاللبنانيون لا يستطيعون أن ينسوا اللحظة التاريخية التي زار فيه أسطورة الكرة العالمية البرازيلي بيليه العاصمة بيروت في 6 نيسان/ أبريل 1975 وشارك بمباراة استعراضية مرتدياً قميص نادي النجمة في ملعب المدينة الرياضية.

وحتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية فالقذائف كانت تصمت عند انطلاق صفارة مباريات المونديال، فيقول أحد الشاهدين على تلك الأيام، "كي لا تفوتنا أي مباراة كنا ننزع بطارية السيارة ونستعملها لتشغيل تلفاز صغير وكان يجتمع أهل الحي جميعاً حينها لتشجيع فريقهم المفضل".
France v Lebanon - 2017 Rugby League World Cup
Source: Getty / Getty Images AsiaPac
والملفت حقاً أن لبنان يتحول خلال المونديال إلى سفارة عالمية، فترى أعلام الدول المشاركة ترفع فوق السطوح وعلى الشرفات وفي المحال والمقاهي والمطاعم التي تستحضر شاشات عملاقة كي يتمكن الزبائن من مواكبة المباريات.

والأغرب أن اللبنانيين سواء كانوا داخل لبنان أو خارجه، فعشق كرة القدم ثابت في قلوبهم لا يتبدل مهما تبدلت الظروف، حتى أنك تسمعهم خلال المونديال يعرفون عن أنفسهم حسب البلد الذي يشجعونه والعبارتين الأشهر هما، "أنا ألماني" و"أنا برازيلي" وكأنهم يتقمصون جنسية البلد الذي يشجعونه.
Lebanon team in Rugby League World Cup
Source: SBS
أما سوريا التي لا يخلو بيت فيها من ممارس لكرة القدم أو متابع لها. فهي لعبة الفقراء التي لا تحتاج المال لممارستها، فالمباراة تبدأ بمجرد أن يجتمع الأصدقاء وتتواجد الكرة، فتتحول الأحياء السورية وشوارعها وساحاتها ملاعب تتنافس فيها الفرق الشعبية بحماسة وشغف ويلعبون وفق قواعدهم الخاصة التي يتفق عليها اللاعبون فيما بينهم.

بدأ شغف وهوس السوريين بالكرة الساحرة منذ انضمام الإتحاد السوري لكرة القدم إلى الإتحاد الدولي الفيفا عام 1937، وبدأت الأندية السورية بالظهور بعدها تباعاً في مختلف المحافظات ومما لا شك فيه أن كل محافظة أنجبت جمهورها ومشجعوها.

ومن لا يذكر وصول نسور قاسيون إلى الملحق الأسيوي في تصفيات كأس العالم 2018 لأول مرة في تاريخه بمواجهة المنتخب الأسترالي، هذه المباراة التي جمعت ووحدت السوريين في أستراليا على قلب واحد وهدف واحد الذين حضروا بحشود كبيرة في ملعب سيدني.
Syria
Syria's players celebrate Source: AFP
وعلى الرغم من عدم تأهل المنتخب السوري لكأس العالم في تاريخه الكروي، إلا أن هذا الحدث له مكانة خاصة لدى السوريين الذين يختارون ممثلين عنهم في المونديال لتشجيعهم، فتتزين بيوتهم وشرفاتهم بالأعلام المختلفة التي ترتفع عالياُ أثناء المباريات مع أصوات التشجيع والتصفيق التي تبهج القلوب والنفوس.

أما في الجارة العراق فلا تختلف الصورة، فكرة القدم بالنسبة للعراقي هي أكثر من مجرد حماسية، فالكثيرون لا يتذكرون من طفولتهم سوى لعب الكرة في الأزقة والساحات التي كانوا يحولونها ملاعب يصنعون عوارضها من الحجارة أو من كتبهم المدرسية، وكانوا يحلمون بأن يكونوا لاعبين مميزين ومحط أنظار الجمهور.

وعن هذا العشق يقول المدرب باسم راشو، "نحن نعيش كرة القدم بفكرنا وعقلنا ومن كل قلبنا، حتى أنها كانت خلال الأحداث السياسية الصعبة المنفذ والمتنفس الوحيد الذي كان يجمعنا على طاولة واحدة". فشوارع العراق تخلو من المارة عندما يلعب المنتخب الوطني نظراً لقدسية وأهمية هذه المباريات التي لا يمكنهم تفويتها.
Baghdad erupts in joy after football win
Iraqi soccer fans wave their country's flag after their national team beat Iran in their Asian Cup quarterfinal as the fans watch the match on TV in Baghdad, Iraq, Friday, Jan. 23, 2015.
كرة القدم هي الغذاء الروحي للعراقيين سواء كانوا في أستراليا أو بلدهم الأم، حيث حافظ عراقيو المهجر على طقوس معينة في لعبتهم المفضلة ونقلوا هذا الإرث إلى أولادهم أيضاً.

وينتهي بنا المشوار في بلاد النشامى فلسطين والأردن اللذين يتنفسان حب الكرة ويجتمعان بقلب واحد على عشقها الذي يساوي عشقهم لأكلاتهم التقليدية المنسف والمسخن.
Soccer AFC Asian Cup Bahrain Asia Cup 2019
전반 26분 코너킥 세트피스에서 아나스 바니 야신에게 결승 헤딩골을 헌납하고 있는 사커루즈. Source: AP
عرف الأردن رياضة كرة القدم منذ عام 1921، ولكنها كانت حكراً على طلاب المدارس الذين كانوا يلعبونها وفق قواعدهم الخاصة وكان أستاذهم هو نفسه حكم المباراة مختالاً بينهم بطربوشه ومعطفه وسلسلة ساعته الذهبية.

وعن سبب محبة الشعب الأردني لكرة القدم قال الصحافي الرياضي الأردني الشهير لطفي الزعبي، "إن العائلة المالكة منغمسة في كرة القدم مما يشد الناس أكثر لها، كما أنها لعبة غير مكلفة ولا تتطلب الكثير من المصاريف المادية مما يشجع الناس على الإقبال عليها".

يعشق الشعب الأردني منتخبه الوطني "فريق النشامى" الذي رفع رأسهم عالياً في الكثير من البطولات العربية والدولية، كما خاض سبع مباريات لا ينساها الأردنيون سواء في الوطن أو في أستراليا ضد المنتخب الأسترالي السوكروز، والتي تمكن أن يحصد الفوز في ثلاثة منها.
أما الشعب الفلسطيني، فلا يرى أن كرة القدم هي مجرد رياضة، بل هي قوة دفع للأمام، فمهما كانت الظروف صعبة يجد الشبان والشابات متنفساً في الملعب لإفراغ قساوة الأيام التي يمرون بها.

وبالفعل قام السيد فؤاد أبو غليون بتأسيس جمعية فلسطين لكرة القدم لمبتوري الأطراف في عام 2018 في منطقة دير البلح الوسطى والتي تحوي لاعبين تتراوح أعمارهم بين 13 و 42 فقدوا أطرافهم نتيجة حوادث معينة إلا أن هذا الأمر لم ينل من عزيمتهم ولم يثنيهم عن لعب رياضتهم المفضلة حتى لو على العكازات.

أكملوا الحوار عبر حساباتنا على وو

توجهوا الآن إلى للاطلاع على آخر الأخبار الأسترالية والمواضيع التي تهمكم.

يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر  أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على 

يمكنكم أيضًا مشاهدة أخبار في أي وقت على SBS On Demand.

شارك
نشر في: 7/11/2022 2:15pm
تقديم: Ruba Mansour
المصدر: SBS