"قسوة أمي حرمتني طفولتي": هل تتقمص الأم العربية شخصية والدتها عند تربية أبنائها؟

I really miss you

Two Muslim woman embracing Source: Moment RF / Jasmin Merdan/Getty Images

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

تمتلك الأم العربية طابعاً تربوياً مميزأ لا يمكن نسيانه عبر الأجيال. ما بين الأمهات المحافظات والمتشددات والمنفتحات تختلف تجارب مجموعة من السيدات العربيات المهاجرات في تربية أبنائهن في هذه الحلقة من بودكاست "هي". فماذا ورثن عن أمهاتهن وهل غيرن الصورة النمطية السائدة للأم العربية في أستراليا؟


النقاط الرئيسية:
  • تربية الأم لابنتها هي حجر الأساس الذي تبني عليه البنت أسلوب تربيتها لأبنائها عندما تصبح أماً.
  • حرص الأم الزائد على أبنائها لا يبرر حقها في أن تعاملهم بقسوة وصرامة.
  • رغم كل التضحيات لا تستطيع أمهات اليوم التفاني والتضحية بقدر ما فعلت أمهاتهن.
أمال تقي هي سيدة لبنانية نشأت في بيت محافظ في طرابلس في شمال لبنان، نشأت في زمن لم تكن فيه التكنولوجيا والإلكترونيات هي الشغل الشاغل للأولاد. في ذلك الزمن، كانت الروابط الأسرية مقدسة لا تدنس حرمتها منصات التواصل الاجتماعي وصخبها الزائف.

هذا الواقع ولّد علاقة متينة بين أمال وأمها وجدتها اللتين كانتا من أكثر الأشخاص قرباً منها، فأخذت تنهل منهما كافة مبادئ الحياة الأساسية وتتغذى من العادات العربية الجميلة.
تعلمنا التضحية والعفو والسماح والسخاء والكرم، إضافة إلى احترام الأكبر سناً ومساعدة ذوي القربى والمحتاجين، وأنا حافظت على كل هذه العادات الجميلة.
Amal 1.jpg
السيدة أمال مع ابنتها هند. Source: Supplied
أما تجربة مريم وهو اسم مستعار لهذه السيدة فقد كانت معاكسة تماماً. فقد حكم سفر الوالد على أمها، أن تلعب دور الأب والأم على حد سواء في المنزل. فكان أولادها محور حياتها الوحيد، لكن مريم تعتبر أن حرص والدتها الزائد وخوفها عليهم أفقدها صفات الأم التي يحتاج لها الأبناء. فقد سيطرت على المنزل بطريقة حرمتهم من طفولتهم معتبرة أن هذا الأسلوب هو الأنجح لضمان مصلحتهم.
كانت أمي قاسية جداً، أنا لا أعتبر أنني عشت طفولتي كأي طفل آخر، فكل شيء كان ممنوعاً.
Mature mother scolding her young daughter
Serious Mature mother scolding her young daughter Credit: Juanmonino/Getty Images
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يبرر الحرص الزائد للأم على أبنائها حقها في أن تعاملهم بقسوة وصرامة؟

تجيب الأخصائية والمستشارة النفسية ومدربة العلاقات الأسرية رند فايد، أنه لا أحد يستحق أن يتم التعامل معه بقسوة، لأن القسوة أمر موجع. يجب على الأم أن تكون حازمة لا قاسية، وأن يكون لديها الوعي لتحقيق التوازن بين الحزم والتراخي، والتي هي أمور من أساسيات التربية السليمة.

هاجرت السيدة أمال إلى أستراليا في عمر العشرين، وهنا واجهت المجتمع الأسترالي بكل اختلافاته. وبعد زواجها، ناداها واجب الأمومة المقدس، فكان تهذيب النفس هو العنوان العريض لأسلوب التربية الذي أخذته من والدتها، واقتدت به لتربي أبناءها في بلد تختلف عاداته وتقاليده عما نشأت عليه في لبنان.
استعملت أسلوب الترغيب لا الترهيب، واعتبرت أبنائي أخوة وأصدقاء لي. كنت أجلس وأتكلم معهم وأشرح لهم الأمور بأسلوب مبسط وجميل لكي يفهموا الفرق بين الصواب والخطأ.
Saudi school children doing homework with their mother
Waist-up view of Middle Eastern woman in abaya and hijab sitting at dining room table with young son and daughter as they write in workbooks. Credit: xavierarnau/Getty Images
وبالفعل، ترك هذا الأسلوب بصمة خاصة في حياة هند، ابنة السيدة أمال، التي أخذت بدورها من أمها وجدتها مبادئ التربية الأساسية وأجرت عليها بعض التغييرات التي تتوافق مع البيئة والظروف المحيطة.

تقول هند، "تعلمت من أمي التضحية، واحترام الآخرين وخدمة المجتمع والمحتاجين. وكما كانت أمي تستعمل معي ومع اخوتي أسلوب الحوار سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فهذا ما أقوم به أيضاً مع أولادي لضمان إدراكهم ما هو المسموح وما هم الممنوع والأسباب وراء ذلك".

أما مريم التي عانت من قسوة أمها في تربيتها لها، فقد ولّد لديها هذا الأمر نقمة على أسلوب والدتها التي حاولت أن تبتعد كل البعد عنه عندما أصبحت أماً.
Mother scolding her daughter
Mother scolding her young daughter at home Credit: triloks/Getty Images
وجدت مريم في تربية أبنائها الوسيلة لتنتقم من أسلوب أمها الصارم، فاعتمدت نهجاً معاكساً تماماً لأسلوب أمها.
أعلم أحياناً أنني أرتكب خطأً ما، لكن لأن أمي كانت تفعل هذا الأمر الذي كان يؤلمنا، فأنا أقوم بالعكس.
لم يكن للنقاش بين الأم ووالدتها مكان في حياة مريم، لذا فهي تحاول مريم أن تعوض هذا الحرمان باعتماد الحوار أساساً في بيتها. فأكدت أنها تعمل دائماً على شرح الإيجابيات والسلبيات للأمور، ليتمكن أولادها من اتخاذ القرار الصائب بأنفسهم وأن لا تأخذ أي قرارات بالنيابة عنهم.

وفي هذا الصدد، تشدد الأخصائية رند فايد على أهمية الحوار بين الأم وأبنائها لما له من دور فعال في تعزيز ثقة الطفل بنفسه وبالتالي طريقة تعامله مع الآخرين، خاصة أن ثقافة الحوار غير سائدة في المجتمعات العربية مما يؤثر سلباً على شخصية الطفل.
Daughter kissing her mother on the forehead as a sign of love and care
Mother and daughter enjoying their morning together Credit: FluxFactory/Getty Images
رغم أن أمال اعتمدت الحوار والترغيب أساساً في تربية أبنائها، إلا أن واقع الحياة في مجتمع غربي فرض عليها بعض التحديات التي تغلبت عليها بصبر وحكمة.

تقول أمال، "لم يكن الأمر سهلاً عليّ بسبب اختلاف البيئة والعادات، لكنني كنت صبورة وكرست وقتي لأولادي رغم أنني كنت أعمل. لكنني كنت أختار الأوقات الصحيحة وأختار أي فرصة وأستعملها كعبرة ودرس ليتعلموا منها".
أخذت الأمور الجيدة من الحضارة الأسترالية ودمجتها مع العادات العربية، وجعلتهم قادرين على المقارنة بين الأفضل في الحضارتين.
أما بالنسبة إلى هند، ابنة السيدة أمال، فانتشار الالكترونيات والتطور التكنولوجي الأمور التي لم تكن مصدر قلق لوالدتها كونها لم تكن موجودة، هي من أبرز التحديات التي تواجهها اليوم في تربية أبنائها.
Angry mother scolding the disobedient child. Debica, Poland
Angry mother scolding the disobedient child. Debica, Poland Credit: Anna Bizon/Getty Images/Gallo Images ROOTS
ومن أجل مواجهة هذه التحديات، ترى هند ضرورة مراقبة ووضع حدود لاستعمال هذه الأجهزة وتوعية الأبناء حول مخاطرها، لأن السلامة الإلكترونية لا تقل أهمية عن السلامة الجسدية.

من ناحية أخرى، ترى مريم أن التطور التكنولوجي وانفتاح العالم على بعضه البعض، خفف من هاجس التربية في مجتمع غربي الأمر الذي كان من الممكن أن يشكل تحدياً لها في الماضي.

تعتبر مريم أن جيل اليوم قادر على التعرف على ثقافات العالم بأكمله، لذا فالمسألة لا تختلف بالنسبة لها سواء نشأ أولادها في بلد عربي أو في أستراليا.
التربية في أستراليا ليست أمراً يخيفني، طالما أن العلاقة قائمة على الصراحة، وأنا أعلم أولادي الصواب والخطأ، وأوقفهم عند حدهم إذا ارتكبوا خطاً ما، لكن ليس بطريقة قمعية لأنهم سيرتكبون الأخطاء لا محال.
Modern Muslim Women in Malaysia
Muslim daughter kissing her mom's forehead for 'salam' (Muslim way of greeting gesture) at home. Credit: Alex Liew/Getty Images
بما أن الأطفال يتمتعون بالكثير من الحقوق في أستراليا التي قد لا تكون موجودة في البلاد العربية، كحرية ترك منزل الوالدين عند بلوغ سن الثامنة عشر، تقول الأخصائية رند فايد أن الطريقة الوحيدة لضمان بقاء الأبناء تحت جناح الأهل ومواجهة تحديات التربية في المجتمع الغربي هي منحهم الحب غير المشروط أي تقبل الطفل كما هو دون محاولة تغييره.
لا يمكن أن نربي أبناءنا كما تربينا، الرابط الوحيد الذي يجعل أبناءنا يحترموننا ويسمعون كلامنا هو الحب لأنه ليس لدينا أي وصاية على أولادنا في هذا البلد سوى من خلال الحب.
Mother-daughter
Source: Pixabay
كما أنه من الشائع في المجتمعات العربية، مسألة التساهل مع الشاب أكثر من الفتاة والتغاضي عن بعض الأمور التي قد يقوم بها وإن كانت خاطئة. ورغم تأثر السيدة أمال الكبير بتربية والدتها لها، إلا أنها لم تجاريها في هذا الأمر، وكانت حريصة على المساواة في التعامل بين الشاب والفتاة.
ما حرمته على الفتاة، كان أيضاً محرماً على الشاب في الأمور التي لا تتناسب مع مبادئنا وأخلاقياتنا.
من هذا المنطلق، لم تسمح أمال لابنها كما لبناتها بأمور مثل السكن خارج منزل العائلة قبل الزواج أو إنشاء علاقات خارج إطار العلاقات الرسمية الشرعية كالخطوبة والزواج.

كما كان لأمال دائماً كلمتها ورأيها في الأشخاص الذين سيرتبط بهم أولادها إيماناً منها أن الزواج علاقة مقدسة ومصيرية تؤثر على حياة الشخص بأكملها.
Muslim woman kissing hand of her old mother
Muslim woman kissing hand of her old mother as a sign of respect in Islam Source: Getty / Getty Images/Jasmin Merdan
من هذا المنطلق أشارت أمال أنه عندما تقدم أحد الأشخاص لخطبة ابنتها ورغم إعجابها به، إلا أنها نصحتها بأنه غير مناسب لها نتيجة بعض التصرفات التي قام بها، والتي استطاعت ابنتها ملاحظتها فيما بعد. وبالتالي سمعت نصيحة والدتها وعملت بها.

وهذا ما فعلته مع ابنها أيضاً عند محاولته إيجاد زوجة المستقبل، فكانت صريحة وأعطت رأيها بمنتهى المصداقية في بعض الفتيات اللواتي رأتهن غير مناسبات له. ونتيجة لتجربة أخته السابقة، فقد نصحته هي بالأخذ برأي والدتهم لأنها محقة في أي نصيحة أو رأي نتيجة خبرتها الأعمق في الأشخاص والحياة.
Muslim woman walking with daughters in city
A woman of Middle Eastern descent is spending time with her children. The woman is on a walk with her two daughters in the city. She is pushing a stroller. They are wearing casual clothing. Credit: FatCamera/Getty Images
لكن في رأي معاكس، تعتبر مريم أن الزواج هو حرية شخصية. لذا فهي لا تتدخل في المستقبل في خيارات أولادها، حتى لو اختاروا أشخاصاً من جنسية أو ثقافة مختلفة.
طالما هم متفقون ويريدون بعضهم البعض، لا يوجد لدي أي مشكلة. فهذه حياتهم وبالتالي إذا لم تنجح العلاقة سينفصلون وإذا نجحت فأنا لا أريد سوى سعادتهم.
Amal 2.jpg
السيدة أمال مع ابنتها هند. Source: Supplied
مهما كان أسلوب التربية الذي تتتبعه الأم، يبقى هناك عتب في مكان ما عليها. فرغم كل الامتنان والتقدير الذي تكنه أمال لوالدتها والتي تعتبر أنه لا يمكن مكافأتها، إلا أنها تحمل في قلبها لوماً عليها لأنها كانت تجعلها تسكت عن حقها أو تتغاضى عنه من أجل تفادي المشاكل. هذا هو الأمر الذي لم تقبل أمال أن تعلمه لأبنائها، لا بل كانت حريصة على تعليمهم العكس تماماُ.
أما مريم، فعتبها الأكبر على والدتها كان أن قسوتها جعلتها فتاة ضعيفة الشخصية نتيجة خوفها الزائد منها. فتعتبر أنها كانت تعيش قمعاَ رفضت أن يعيشه أولادها، لكي يكونوا أصحاب شخصية قوية قادرين على مواجهة كل تحديات الحياة.
Holding hands of senior woman
Woman taking care of elderly lady Source: Moment RF / Jasmin Merdan/Getty Images
تشرح الأخصائية رند فايد أنه عندما تعاني الطفلة من قسوة والدتها في صغرها، يحصل لديها حرمان عاطفي وحرمان من الحب. فتقوم بعكس كل ما قامت به أمها مع أولادها، فيكون لديها الوعي بأن لا ترتكب غلطة والدتها وتعرض أبناءها لما عاشته. في حين هناك أمهات لا يمتلكن الوعي الكافي لاكتساب مهارات تربية جديدة، فيسلكن نهج أمهاتهن لأن هذا الأسلوب القاسي هو كل يعرفونه في الحياة.

كما يبدو اليوم أن مفهوم التفاني والتضحية قد اختلف مع تطور الحياة. فقد أجمعت الأمهات الثلاث أمال وهند ومريم أنه مهما ضحّين من أجل أبنائهن، لا يمكن أن يقوموا بما قامت به أمهاتهن. فقد كانت أمهاتهن يؤثرن أولادهن على أنفسهن ويقدمن مصلحتهم على مصالحهن الشخصية.

لقد توافقت الأمهات الثلاث على أنه لا بد من وضع بعض الحدود، فيجب أن تخصص الأم الوقت لنفسها وتهتم لصحتها لتبقى قادرة على خدمة عائلتها.

لا تفوتوا فرصة الاستماع إلى قصص هؤلاء الأمهات في التسجيل الصوتي المرفق أعلى الصفحة.

أكملوا الحوار عبر حساباتنا على و و

توجهوا الآن إلى للاطلاع على آخر الأخبار الأسترالية والمواضيع التي تهمكم.

يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر  أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على 

يمكنكم أيضًا مشاهدة أخبار في أي وقت على SBS On Demand.


 

 



 

شارك