"لم يكن لدي وقت للحزن": هل تقف الحياة بعد الانفصال عن الرجل؟

GettyImages-479097316 (1).jpg

Does Life Stop After Separation?

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

يمثل انتهاء العلاقة الزوجية واحدة من أكبر الازمات التي قد تمر بها المرأة أينما كانت. في الحلقة الأخيرة من هذا الموسم لبودكاست هي، سنستمع إلى قصص ثلاث سيدات عربيات حولن تجاربهن الأليمة إلى سلاح حاربن به الصور النمطية التي تلاحق الأرامل والمطلقات والأمهات العازبات في معظم المجتمعات الغربية والشرقية.


النقاط الرئيسية
  • أفاد مكتب الإحصاءات الأسترالي ان هناك ما يصل إلى مليون أسرة مكونة من معيل واحد، وحوالي 80% منهم أمهات عازبات
  • يقول الأخصائيون النفسيون ان أزمة الانفصال أو الترمل قد تخلف اضطراب ما بعد الصدمة المعروف بـ traumatic stress disorder post
  • نظرية النهوض ما بعد الصدمة المعروفة بـ Post-traumatic growth تحول التجارب الصعبة في حياة الانسان، إلى نقاط قوة تمكنه من تحقيق تحول ايجابي في حياته
تختلف أشكال الوصمة الاجتماعية التي تحيط بالأرامل والمطلقات من مجتمع لآخر. وقد تكون أقسى على المطلقات من الأرامل اللواتي ينظر لهن المجتمع بنوع من الشفقة والتعاطف. إلا أنه من الشائع أن تصبِح هاتان الشريحتان محط أنظار المجتمع ووصايته.

نتحدث هنا عن حال ملايين من النساء حول العالم. ففي أستراليا وحدها، ان هناك ما يصل إلى مليون أسرة مكونة من معيل واحد، وحوالي 80% منهم أمهات عازبات بحسب إحصاءات يونيو/حزيران 2022.

ولكل أم عازبة قصة، بدأت عندما اتخذت قرارا صعبا بأن تكافح وحدها من أجل حياة كريمة لها ولأطفالها. من هنا، بدأت رحلة السيدة سمر التي غيرنا اسمها احتراما لخصوصيتها.

"لم أكن جاهزة"

عاشت سمر في ولاية نيو ساوث ويلز مع زوجها الذي منعها من العمل في مجال أحبته ونجحت فيه في وطنها الأم. ورغم مرور سنوات على الزواج الذي أسفر عن إنجاب طفلين، بدأت العلاقة بالانهيار ليعيشا منفصلين تحت سقف منزل واحد.

تقول السيدة سمر: "وافق زوجي على هذا القرار رغم ارادته. اذ أن هذا الخيار لا يعد مألوفا في ثقافتنا العربية وقد يتنافى مع تقاليد المجتمع ومعتقداتنا الدينية".

"كان الخيار الثاني بالنسبة له، هو أن أقوم بإبلاغ الشرطة عن سوء معاملته وتعنيفه لي ولأطفالي، فكان عليه أن يوافق".
كنت أرغب بالانفصال عنه كليا، ولكن لم أشعر بأنني جاهزة ماديا ونفسيا لأبدأ حياتي وحيدة من دون دعم وعمل. كان يقول لي دائما العمل ممنوع، يمكنك العمل بعد مماتي
سمر
"الأهم من هذا كله، كنت أريد لأطفالي أن يكون لهم أب، حتى وان كان يؤذينا".

ظنت سمر بأنها اتخذت القرار الصائب بالإبقاء على صورة العائلة المثالية في أعين الناس. ولكن هذه الصورة تلاشت مع وفاة الزوج بعد عامين من الانفصال، لتجد نفسها في مواجهة الحياة كأرملة وأم عزباء.

"بدأت مصاريف الحياة والأطفال تحاصرني في كل مكان. شعرت بضغط شديد ولم أعرف من أين أبدأ. كان عليّ أن أبحث عن وظيفة. لم أستطع العودة للعمل في مجالي في صناعة الأسنان. اذ توقفت عن العمل فيه منذ عشر سنوات. وكيف أعود له الآن وأنا أم لطفلين صغيرين وبعد أن تطور المجال كثيرا، وكأنني ما عدت أفقه به شيئاً".

"لم أعرف من أين أبدأ"

ومن ولاية غرب أستراليا، التقينا بالسيدة هنا وهي أم لفتاة واحدة، وخسرت زوجها في حادثة سير مؤلمة. لم تعرف من أين تبدأ بعد وفاته. اذ أنها كانت تعتمد عليه في معظم شؤون حياتها. ولم تتخيل أن يأتي يوم تشعر فيه بثقل الوحدة وتحديات الغربة كما شعرت بها بين ليلة وضحاها.

تقول السيدة هنا: "كان أصعب يوم في حياتي وحياة ابنتي. لم نصدق الخبر وكان وقع الصدمة قاسياً جداً علينا".
لم يكن لدي وقت لأحزن على وفاته وفراقه، لم ترحمني المطالبات والاستحقاقات المالية للحظة، ولم تسمح لي الإجراءات القانونية والدفن ونفقاته بأن ألتقط أنفاسي لمواجهة عالمي الجديد.
هنا
"لم يكن هناك من يساعدني، كنت أعتمد عليه في كل شيء في أمور حياتنا اليومية خارج المنزل، ولم أكن أتكلم الإنجليزية جيدا أيضا".

"لم أعرف من أين أبدأ رحلتي الجديدة".
She podcast - What are the emotional challenges of single mothers?
She podcast - What are the emotional challenges of single mothers? Credit: FatCamera/Getty Images

"قرار مصيري"

كان للسيدة فايزة تجربة مختلفة ما بين الترمل والزواج مجددا ومن ثم الانفصال. وهي أم لثلاثة أطفال. كان لأحداث الحرب السورية تداعيات على استقرار حياتها الزوجية وصحتها النفسية.

تقول السيدة فايزة: "اختطف أخي خلال الحرب في سوريا، وكنا على علاقة قوية جدا مع بعضنا البعض. فقررت الرحيل فورا إلى الأردن وتركت زوجي هناك".

كانت فايزة تعمل كمترجمة مع العديد من المحطات التلفازية حول العالم، ولحسن الحظ لم يتأثر عملها بظروف الحرب. لذلك تمكنت من أن تؤمن بعضا من متطلباتها المالية.

"من هنا، بدأت علاقتنا الزوجية بالانهيار، لم أستطع تخطي غياب أخي وكنت أشعر بأني مدمرة نفسيا وماديا بسبب ظروف اللجوء في الأردن".

ما كان لها سوى أن تتخذ قرارا مصريا تلو الآخر، على أمل أن توفر لنفسها ولأطفالها بداية جديدة بعيدا عن جراح خسائرها الفادحة.
قررت الرحيل مجددا، هذه المرة إلى ماليزيا، وتركته ورائي في عمان. للأسف، وبسبب عودة مرض السرطان له، فارق الحياة وهو بعيد عنا.
فايزة
بعد مرور عامين، وضمن عملها الذي كانت تترجم فيه قصص ومآسي اللاجئين السورين لطلبات الهجرة إلى أستراليا، التقت زوجها الثاني.

"قرر السفر إلى ماليزيا ليلتقي بي وبعائلتي. كان الاعجاب متبادلا. ونصحني الكثيرون بأن أوافق على عرضه بالزواج لأنني كنت في مقتبل العمر ولأنها كانت فرصة جيدة لئلا أشعر بالوحدة".

تزوجت فايزة منه. وبعد مرور شهور على علاقتهما أنجبت طفلتها الثالثة وانتقلت للعيش معه في أستراليا.
"بعد مرور أسبوعين معه، استيقظت في منتصف الليل وسمعته يتحدث على الهاتف ويقول بأنه مسافر. سألته إلى أين؟ قال بأنه حصل على عقد عمل في قطر. فسألته: ماذا عني؟ قال افعلي ما شئت، ابقي هنا أو عودي إلى ماليزيا".

"من هنا بدأ صراعي النفسي مع اتخاذي لقرار العودة إلى ماليزيا أو البقاء في أستراليا ورفض حقيقة أنه كانسان قادر على تركي وأطفالي في بلد لم أعرف فيه وعنه شيئا".

"كنت أقول لنفسي، هذا مستحيل، لن يتركني... وبعد أن ذهب، بقيت أنتظر عودته لأسابيع طويلة".

"التعامل مع الصدمة"

يحمل واقع الانفصال أو الترمل في طياته تحديات أبرزها النهوض من الألم أو الصدمة ومواجهة عالم قد يقلل من شأن المرأة المطلقة أو الأرملة والأم العازبة، ويضع الكثير من العقبات في طريق نهوضها ونجاحها في المجتمع بالمقارنة مع العائلات المكونة من الرجل والمرأة والأطفال. وهذه نظرة واقعية شهدناها جيلا بعد جيل في بلادنا العربية وما زالت محفورة في أذهان الكثير من المهاجرين العرب في أستراليا مثل السيد فراس الذي ولد في سوريا وهاجر إلى أستراليا مع أسرته عام 2014.

"نظرة المجتمع العربي والشرقي للمرأة المطلقة تعد عموما نظرة سلبية جدا وهذا ناتج عن حقيقة أن المجتمعات العربية تحكمها عادات وتقاليد وتنشئة اجتماعية تحمل المرأة مسؤولية الطلاق".
ويضيف: "من ناحية أخرى، تساهم المسلسلات والأفلام التي تعرض على شاشات التلفاز والسينما في تعزيز النظرة السلبية عن المرأة المطلقة وتصورها بأنها مدمرة وتمر بحال مزرية بعد الطلاق".

يقول الأخصائيون النفسيون ان أزمة الانفصال أو الترمل قد تخلف اضطراب ما بعد الصدمة المعروف بـ ، وهو الاضطراب النفسي الذي ينشأ عند الانسان بعد حدث صادم، ويرتبط بذكريات الماضي والقلق الشديد والأفكار المزعجة، فتؤثر على حياته وقد تتركه يعاني لشهور وأعوام.

ورغم أن الكثير من الأمهات العازبات يشكين من فيض النصائح التي تنهال عليهن بضرورة النهوض وبناء حياتهن من جديد بعد الطلاق أو الترمل، الا أن هذه النصائح في حقيقة الأمر ليست من باب جبر الخواطر فحسب، بل إن لها أساسا علميا.
استمع إلى الحلقة كاملة
arabic_26042023_shepodcast8 Mixdown 3.mp3 image

ما بين الطلاق والترمل في المجتمع العربي: هل تقف الحياة بعد الانفصال عن الرجل؟

16:29
نحن نتحدث عن نظرية النهوض ما بعد الصدمة المعروفة بـ . وهي نظرية تم تطويرها من قبل علماء النفس في منتصف التسعينيات.

المستشار النفسي والمستشارة النفسية ومدربة العلاقات الأسرية يسلطان الضوء على هذه النظرية التي تدعو إلى تحويل التجارب الصعبة في حياة الانسان إلى نقاط قوة تمكنه من تحقيق تحول ايجابي في حياته واعتبار الصدمة تجربة للنهوض والابداع والإنتاج.

تقول السيدة رند: " أصبح الكثير من الناس يعي تأثير الـ على حياة الانسان واعاقته عن متابعة حياته بشكل طبيعي. ولكن على صعيد آخر، نجد بأن الكثير من الأشخاص الذين مروا بصدمات وأزمات كبيرة أصبحوا أكثر قوة ونضوجا نفسياً. وهذا ما يثير دهشة الشخص ذاته الذي لم يكن يعي قدراته الكامنة والمخفية إلى أن يعيش تجربة وأزمة بهذا الحجم".
من ناحيته يقول السيد سليمان: "الأشخاص الذين يمرون بحالة النهوض ما بعد الصدمة يتمكنون من خوض تجربة تسمى في علم النفس وهي عملية تساعد الانسان على فهم ذاته وأحداث الحياة والعلاقات من حوله بشكل أفضل".

ويضيف أن هذه العملية تساهم في استخدام الدماغ لجميع أجزائه ليتمكن من تحقيق النتيجة المرجوة للخروج من الأزمة والنهوض مجدداً. فإذا تمكن الانسان من الوصول إلى هذه العملية بفهمه للصدمة على أنها تجربة للتعلم منها، فسيعي بأن الصدمة أو الأزمة هي فرصة للتطور والنمو.
Mum working.jpg
Working single mothers Credit: Helena Lopes/ Unsplash

"ان عادت بي الأيام"

خسرت سمر زوجها والاعانة المادية والصورة المثالية للعائلة في آن واحد. فهل اختارت أن تستسلم لقسوة الظروف والتحديات؟

"لم أتوقف عن التفكير في تغير حالي وحال أطفالي للأفضل مع زيادة متطلباتهم يوما بعد يوم. وفي يوم من الأيام التي كنت أذهب فيها إلى المدرسة لآخذ أطفالي إلى المنزل، قالت لي سيدة بأنها تنوي فتح مطعم مع زوجها وعرضت عليّ أن أعمل معهم، فوافقت".

"بعد بضعة شهور من العمل تعرضت للتحرش من زوجها الذي كان يعلم بحالتي الاجتماعية. فصفعته وخرجت من العمل من دون عودة. ولكن بكرامتي".

"عملت في مطعم آخر، وبعد بضعة أشهر شعرت بضغط شديد ما بين رعاية الأطفال والعمل والإجهاد الجسدي. فبدأت بالطبخ من المنزل وبيع الطعام قبل أن أقرر ترك المطعم. ومن هنا، لم أحتج أن أعمل عند أحد مجددا. انهالت عليّ الطلبات واستطعت أن أوفر لنفسي وأطفالي جميع احتياجاتنا".
ان عادت بي الأيام إلى الوراء، ما كنت لأوافق على قرار منعي من العمل أبدا.
سمر
أما بالنسبة إلى هنا فما كان قد كان. وشاء القدر بأن تكون نهاية هذه العلاقة بمثابة اختبار لقوة تحملها لتتعرف فيه على نفسها من جديد.

"وضعت في ظروف لم تقدم لي سوى خيار أن أكون قوية لأجل ابنتي التي لم يعد لها سواي في هذا العالم. لم أسمح لنفسي بالشعور بالتعب. بعد انتهاء عملي، كنت أذهب لإتمام أعمال زوجي ما بين الدوائر الحكومية والمحامي وغيرهم. كان عليهم أن يتعاملوا معي بلغة انجليزية متعثرة وتعتمد على قدرتي في هذا اليوم على التركيز والحديث معهم. وضعت أولويات وعملت جاهدة على الاعتماد على نفسي والبدء من نقطة الصفر".
ان عادت بي الأيام إلى الوراء، ما كنت لأعزل نفسي عن مجريات حياتنا خارج المنزل وثابرت على تعلم اللغة الإنجليزية واستخدامها
هنا
وفي وجه طوفان الألم الجديد، كان على فايزة أن تتخذ قرارا مصيريا أخيرا لتبصر وأطفالها نور مستقبل جديد يشعرها بكثير من السلام والأمان التي كانت تبحث عنهما.

"كان عليّ اللجوء إلى المساعدة النفسية. اذ لم أستطع اتخاذ قرار البقاء في أستراليا أو العودة إلى ماليزيا لأكون مع عائلتي. وفي إحدى الجلسات التي كانت تقدمها لي مدربة حياة، قلت لها أني لم أعد أطيق الشعور بالوحدة فقالت لي أنت لست وحيدة... الله معك أينما كنت. كان جوابها كفيلا بأن يعيد الطمأنينة إلى قلبي. وقالت لي بأن قرار السفر لا يخصني أنا فحسب، بل يشمل أولادي وسيؤثر على حياتهم أيضا".

"من هنا أيقنت بأن وجودي في أستراليا سيؤمن لهم مستقبلا آمنا بالمقارنة بماليزيا التي سيعيشون فيها تحت رحمة التأشيرة الموقتة".
ان عادت بي الأيام إلى الوراء، لكنت درست قرار الزواج مجددا وتمعّنت بالهدف منه.. أكثر من ألا أكون وحيدة.
فايزة
لم تعرف هؤلاء النساء مدى قوة تحمل كل واحدة منهن ونقاط القوة التي يمتلكنها بداخلهن قبل مواجهتهن لظروف وأزمات صعبة. وهذا دليل قاطع بأن المرأة قادرة على الوقوع والنهوض مجددا مهما قست التحديات.

تقول رند: "كل تجربة قاسية نمر بها وجدت لكي ننضج نفسيا وعاطفيا معها أو لنتعلم درسا منها. يجب أن نستخلص عبرة الدرس من التجربة والا ستكرر نفسها مجددا. وتختلف الدروس التي تتعلمها امرأة عن أخرى".

"ولكن وبشكل عام، ما يجب أن نفعله كنساء خضن تجربة الانفصال هو أن نقوم بترتيب أولوياتنا وتذكير أنفسنا بقيمنا ومبادئنا والامور التي تهمنا. وذلك لأن العلاقة التي انتهت بالانفصال تقوم بكشف الكثير من الأمور، وأهمها نقاط ضعفنا التي يجب أن نسعى للعمل على تغيرها لئلا تقف ضدنا مجددا في المستقبل".

استمعوا إلى الحلقة كاملة بالضغط على الرابط المرفق بالصورة أعلاه.
يمكن للقراء الذين يسعون للحصول على دعم نفسي الاتصال على الرقم 13 11 14 وخط مساعدة الأطفال على 1800 55 1800 (للشباب حتى سن 25).

تدعم منظمة الأشخاص من خلفيات متنوعة ثقافيًا ولغويًا.

أكملوا الحوار عبر حساباتنا على و وتوجهوا الآن إلى 

يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر  أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على  

شارك