اتجهت أنظار الأستراليين اليوم نحو مضمار فليمنجتون الشهير الذي احتضن ككل عام سباق الأحصنة الأشهر في تاريخ البلاد "كأس ملبورن". ووسط الأجواء الاحتفالية التي تحيط بالمناسبة من بدلات أنيقة وفساتين ملونة وقبعات ذات تصاميم مبتكرة، يستتر لكثيرين وخاصة القادمين الجدد شبح قد يتسلل عبر شقوق حياتهم ويهدد استقرارها فرِهانهم على حصانهم المفضل اليوم قد يتحول إلى رهان على مستقبلهم في وطنهم الجديد.
"المهاجرون الجدد واللاجئون يحبون خوض التجارب الجديدة" هكذا لخص المستشار المالي وخبير مكافحة الإدمان على القمار حشمت شهيد بداية الطريق نحو مستقبل قد يصطبغ بألوان أكثر كآبة من تلك المستخدمة في آلات القمار الملونة والمنتشرة في كل ركن في المدن الأسترالية الكبرى.
وقال شهيد إن غياب عامل الاستقرار الاجتماعي والسعي إلى الربح السريع من أبرز الأسباب التي تزين طريق المهاجر نحو نوادي القمار التي تقدم خدماتها للزبائن على مدار الساعة. وتحدث الخبير الذي أشرف على علاج كثيرين مما يعرف باسم القمار القهري، عن حاجز اللغة الانجليزية الذي يحول دون انخراط القادم الجديد في المجتمع الأسترالي ولكنه لا يقف عائقاً أمام الانزلاق نحو الإدمان على المقامرة وخصوصاً آلات القمار المعروفة اختصاراً بالـ pokies والتي لا تتطلب من المستخدم سوى نقوده ووقته.
وفي الوقت الذي يشارك فيه ملايين الأستراليين في الرهانات على حصانهم المفضل في سباق ملبورن كجزء من ممارسة اجتماعية باتت جزءاً لا يتجزأ من "التجربة الأسترالية"، يجد الكثيرون أنفسهم عالقين في ممارسة ممتعة للوهلة الأولى وتنضوي على الكثير من الإثارة والتشويق على نحو يدفعهم للبحث عنها على مدار العام.
Source: Pixabay
وأضاف شهيد: " يتساءل البعض عن السبب الذي قد يدفعهم للانتظار عام كامل لتجربة الرهانات مجدداً (..) يكتشف المهاجرون أن سباقات الأحصنة تحدث كل يوم ويبدأون برفع قيمة الرهان إلى أن يخسروا مبالغ كبيرة مما يؤثر بشكل سلبي على الوضع المالي والتماسك العائلي."
وحسب الأرقام الرسمية فإن عوائد قطاع المقامرة تسهم بشكل كبير في اقتصاد الولايات الأسترالية ولا سيما نيو ساوث ويلز التي حققت نواديها أرباحاً صافية قاربت ملياري دولار في الفترة بين ديسمبر 2017 و مايو 2018. ونظراً لكون الولاية تضم العدد الأكبر من ماكينات القمار (حوالي 96 ألف) حلت في المركز الثاني عالمياً بعد ولاية نيفادا الأمريكية.
وقال شهيد إن أفراد الجالية العربية أكثر عرضة للتعلق بآلات القمار من أنواع المقامرة الأخرى داخل الكازينو كألعاب الورق والروليت: " لا تحتاج لإتقان اللغة (..) كل ما عليك فعله صرف 20 أو 50 دولار وكبس الأزرار (..) أصبحت لعبة شعبية ومن الممكن أن يجد الأشخاص أنفسهم يلعبون 24 ساعة في اليوم."
وفي الفضاء الالكتروني، يجد المهاجر نفسه محاصراً بالحملات الإعلانية المكثفة لتطبيقات الهواتف المختصة بالمراهنات بالتزامن مع الأحداث الرياضية الكبرى. ولا يرى شهيد أن هذا الأمر يبرر إلقاء اللوم على الحكومة وحدها في ضرورة اتخاذ خطوات إضافية لحماية الأشخاص من مخاطر المقامرة بشكل مرضي فالمسؤولية الأكبر تقع على عاتق الشخص الذي يتوجب عليه اتباع أسس أكثر منطقية في تقييم الضرر الذي قد يقع عليه نتيجة الإدمان على المقامرة.
كراون كازينو في ملبورن تحت المجهر (AAP Image/James Ross) NO ARCHIVING Source: AAP
عليك النظر للإيجابيات والسلبيات، ليس علينا تقليد كل ما نراه (..) لا زلنا محتفظين بهويتنا العربية التي ترفض هكذا سلوكيات."
علاج الإدمان على المقامرة
ليس من السهل العلاج من الإدمان على المقامرة ويرجع ذلك إلى صعوبة اعتراف البعض بالمشكلة. ويتدخل الأهل والأصدقاء في كثير من الأحيان لمساعدة الشخص الذي بدأت المقامرة بالتأثير بشكل كارثي على جوانب حياته كأن يخرج العمل والعائلة من قائمة أولوياته ويبقى منكباً على نوادي القمار لمعظم الوقت في يومه.
ويرى شهيد أن الاعتراف بالمشكلة أول خطوة على طريق الحل: " اذا اعترف المدمن بالمشكلة وتحلى بالرغبة والإرادة للإقلاع عن المقامرة، سيكون بإمكانه التخلص من هذه العادة بشكل سريع."
ويعد قرار الامتناع الطوعي عن دخول نوادي القمار، من الخطوات التي بإمكان المعالج اتباعها مع المدمن حيث يقوم بتوقيع أوراق رسمية تفيد برغبته ويتم إخطار نوادي القمار في منطقته بذلك.
استمعوا إلى المقابلة مع الأستاذ حشمت شهيد في التدوين الصوتي.
